كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وما ذلك} أي: الأمر العظيم من الإذهاب والإتيان {على الله} أي: المحيط بجميع صفات الكمال خاصة {بعزيز} أي: بممتنع ولا شاق وهو محمود عند الإعدام كما هو محمود عند الإيجاد، فإن قيل: استعمل تعالى العزيز تارة في القائم بنفسه فقال تعالى في حق نفسه {وكان الله قويًا عزيزًا}.
وقال في هذه السورة {عزيز غفور}.
واستعمله تارة في القائم بغيره فقال تعالى: {وما ذلك على الله بعزيز} وقال تعالى: {عزيز عليه ما عنتم} فهل هما بمعنى واحد أو بمعنيين؟
أجيب: بأن العزيز في اللغة هو الغالب والفعل إذا كان لا يطيقه شخص يقال: هو مغلوب بالنسبة إلى ذلك الفعل فقوله تعالى: {وما ذلك على الله بعزيز} أي: ذلك الفعل لا يغلبه بل هو هيّن على الله تعالى وقوله سبحانه {عزيز عليه ما عنتم} أي: يحزنه ويؤذيه كالشغل الغالب.
وقوله تعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} فيه حذف الموصوف للعلم به أي: ولا تحمل نفس آثمة إثم نفس أخرى، فإن قيل: كيف التوفيق بين هذا وبين قوله تعالى: {وليحملن أثقالهم وأثقالًا مع أثقالهم}؟
أجيب: بأن تلك الآية في الضالين المضلين فإنهم يحملون أثقال إضلالهم وكل ذلك أوزارهم وليس فيها شيء من أوزار غيرهم.
{وإن تدع} أي: نفس {مثقلة} أي: بالوزر {إلى حملها} أي: من الوزر أحدًا ليحمل بعضه {لا يحمل} أي: من حامل ما {منه شيء} أي: لا طواعية ولا كرهًا بل لكل امرئ شأن يغنيه {ولو كان} ذلك الداعي أو المدعو للحمل {ذا قربى} لمن دعاه.
فإن قيل: ما الفرق بين معنى قوله تعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} ومعنى قوله تعالى: {وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء}؟
أجيب: بأن الأول: في الدلالة على عدل الله تعالى في حكمه وأنه لا يؤاخذ نفسًا بغير ذنبها، والثاني: في أن لا غياث يومئذ بمن استغاث حتى أن نفسًا قد أثقلتها الأوزار لَوْدَعت إلى أن تخفف بعض وزرها لم تجب ولم تغث، وإن كان الداعي أو المدعو بعض قرابتها من أب أو ولد أو أخ قال ابن عباس: يلقى الأب أو الأم ابنه فيقول: يا بني احمل عني بعض ذنوبي فيقول لا أستطيع حسبي ما علي.
تنبيه:
أضمر الداعي أو المدعو بدلالة إن تدع عليه.
ولما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أسمعهم ذلك فلم ينفعهم نزل {إنما تنذر} أي: إنذارًا يفيد الرجوع عن الغي {الذين يخشون ربهم} أي: المحسن إليهم فيوقعون هذا الفعل في الحال ويواطئون عليه في الاستقبال، ولما كان أولى الناس عقلًا وأعلاهم همة من كان غيبه مثل حضوره قال تعالى: {بالغيب} وهو حال من الفاعل أي: يخشونه غائبين بين عنه أو من المفعول أي: غائبًا عنهم.
ولما كانت الصلاة جامعة للخضوع الظاهر والباطن فكانت أشرف العبادات وكانت إقامتها بمعنى حفظ جميع حدودها في كل حال أدل الطاعات على الإخلاص قال تعالى معبرًا بالماضي؛ لأن مواقيت الصلاة مضبوطة {وأقاموا} أي: دليلًا على خشيتهم {الصلاة} في أوقاتها الخمسة وما يتبع ذلك من السنن {ومن تزكى} أي: تطهر بفعل الطاعات وترك المعاصي {فإنما يتزكى لنفسه} إذ نفعه لها {وإلى الله} أي: الذي لا إله غيره {المصير} أي: المرجع كما كان منه المبدأ فيجازي كلًا على فعله.
ثم لما بين تعالى الهدى والضلالة وهدى الله تعالى المؤمن ولم يهد الكافر ضرب لهما مثلًا بقوله تعالى: {وما يستوي الأعمى} أي: عن الهدى {والبصير} بالهدى أي: المؤمن والكافر وقيل: الجاهل والعالم، وقيل: هما مثلًا للصنم ولله تعالى.
{ولا الظلمات} أي: الكفر {ولا النور} أي: الإيمان، أو ولا الباطل ولا الحق.
{ولا الظل} أي: الجنة {ولا الحرور} أي: النار، أو ولا الثواب ولا العقاب.
تنبيه:
قال ابن عباس: الحرور الريح الحارة بالليل، والسموم بالنهار وقيل: الحرور تكون بالنهار مع الشمس، وقيل: السموم تكون بالنهار والحرور بالليل والنهار.
وقوله تعالى: {وما يستوي الأحياء ولا الأموات} تمثيل آخر للمؤمن والكافر أبلغ من الأول ولذلك كرر الفعل وقيل: للعلماء وللجهال.
تنبيه:
زيادة لافي الثلاثة لتأكيد نفي الاستواء، وجاء ترتيب هذه المنفيات على أحسن الوجوه، فإنه تعالى لما ضرب الأعمى والبصير مثلين للمؤمن والكافر عقب بما كل منهما فيه، والكافر في ظلمة والمؤمن في نور؛ لأن البصير وإن كان حديد البصر لابد له من ضوء يبصر فيه، وقدم الأعمى؛ لأن البصير فاصله فحسن تأخيره، ولما تقدم الأعمى في الذكر ناسب تقديم ما فيه فلذلك قدمت الظلمة على النور، ولأن النور فاصلة، ثم ذكر ما لكل منهما فللمؤمن الظل وللكافر الحرور وأخر الحرور لأجل الفاصلة كما مر، وقولنا: لأجل الفاصلة أولى من قول بعضهم لأجل السجع؛ لأن القرآن ينبو عن ذلك، وقد منع الجمهور أن يقال في القرآن سجع.
وإنما كرر الفعل في قوله تعالى: {وما يستوي الأحياء} مبالغة في ذلك؛ لأن المنافاة بين الحياة والموت أتمّ من المنافاة المتقدمة، وقدم الأحياء لشرف الحياة ولم يعد لا تأكيدًا في قوله تعالى: {الأعمى والبصير} وكرّرها في غيره؛ لأن منافاة ما بعده أتم، فإن الشخص الواحد قد يكون بصيرًا ثم يصير أعمى فلا منافاة إلا من حيث الوصف بخلاف الظل والحرور، والظلمات والنور، فإنها منافية أبدًا لا يجتمع اثنان منها في محل، فالمنافاة بين الظل والحرور وبين الظلمة والنور دائمة.
فإن قيل: الحياة والموت بمنزلة العمى والبصر فإن الجسم قد يكون متصفًا بالحياة ثم يتصف بالموت، أجيب: بأن المنافاة بينهما أتم من المنافاة بين الأعمى والبصير؛ لأن الأعمى والبصير يشتركان في إدراكات كثيرة ولا كذلك الحي والميت، فالمنافاة بينهما أتم من المنافاة بين الأعمى والبصير؛ لأنه قابل الجنس بالجنس، وقد يوجد في أفراد العميان من يساوي بعض أفراد البصراء كأعمى ذكي له بصيرة يساوي بصيرًا بليدًا فالتفاوت بين الجنسين مقطوع به لا بين الأفراد.
وجمع الظلمات؛ لأنها عبارة عن الكفر والضلال وطرقهما كثيرة متشعبة ووحد النور؛ لأنه عبارة عن التوحيد وهو واحد، فالتفاوت بين كل فرد من أفراد الظلمة وبين هذا الفرد الواحد والمعنى: الظلمات كلها لا يوجد فيها ما يساوي هذا الواحد.
ثم نبه سبحانه بقوله تعالى: {إن الله} أي: القادر على المفاوتة بين هذه الأشياء وعلى كل شيء بما له من الإحاطة من صفات الكمال {يسمع من يشاء} على أن الخشية والقسوة إنما هما بيده تعالى، وإن الإنذار إنما هو لمن قضى بانتفاعه فيتعظ ويجيب {وما أنت} أي: بنفسك من غير إقدار الله تعالى لك {بمسمع} أي: بوجه من الوجوه {من في القبور} أي: الحسية أو المعنوية إسماعًا ينفعهم بل الله يسمعهم إن شاء {فلا تذهب نفسك عليهم حسرات}.
{إن} أي: ما {أنت إلا نذير} أي: تنبه القلوب الميتة بقوارع الإنذار ولست بوكيل تقهرهم على الإيمان.
ثم بين تعالى أنه ليس نذيرًا من تلقاء نفسه إنما هو بإذن الله تعالى وإرساله بقوله تعالى: {إنا} أي: بما لنا من العظمة {أرسلناك} أي: إلى هذه الأمة {بالحق} أي: الأمر الكامل في الثبات الذي يطابقه الواقع، فإن من نظر إلى كثرة ما أوتيه من الدلائل علم مطابقة الواقع لما يأمر به.
تنبيه:
يجوز في قوله تعالى: {بالحق} أوجه: أحدها: أنه حال من الفاعل أي: أرسلناك محقين، أو من المفعول أي: محقًا، أو نعت لمصدر محذوف أي: إرسالًا متلبسًا بالحق ويجوز أن يكون صلة لقوله تعالى: {بشيرًا} أي: لمن أطاع {ونذيرًا} أي: لمن عصى {وإن} أي: وما {من أمة إلا خلا} أي: سلف {فيها نذير} أي: نبي ينذرها.
تنبيه:
الأمة: الجماعة الكثيرة قال تعالى: {وجد عليه أمة من الناس يسقون}.
ويقال لكل أهل عصر أمة، والمراد هاهنا أهل العصر، فإن قيل: كم من أمة في الفترة بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم لم يخل فيها نذير، أجيب: بأن آثار النذارة إذا كانت باقية لم تخل من نذير إلى أن تندرس وحين اندرست آثار نذارة عيسى عليه السلام بعث الله تعالى محمدًا صلى الله عليه وسلم فإن قيل: كيف اكتفى بذكر النذير عن البشير في آخر الآية بعد ذكرهما؟
أجيب: بأنه لما كانت النذارة مشفوعة من البشارة لا محالة دلّ ذكرها على ذكرها، لاسيما وقد اشتملت الآية على ذكرهما، أو لأن الإنذار هو المقصود والأهم من البعثة.
{وإن يكذبوك} أي: أهل مكة {فقد كذب الذين من قبلهم} أي: ما أتتهم به رسلهم عن الله تعالى: {جاءتهم} أي: الأمم الخالية {رسلهم بالبينات} أي: الآيات الواضحات والدلالة على صحة الرسالة من المعجزات وغيرها {وبالزبر} أي: الأمور المكتوبة كصحف إبراهيم عليه السلام {وبالكتاب} أي: جنس الكتاب كالتوراة والإنجيل {المنير} أي: الواضح في نفسه الموضح لطريق الخير والشر، كما أنك أتيت قومك بمثل ذلك وإن كانت طريقتك أوضح وأظهر، وكتابك أنور وأبهر وأظهر وأشهر، وفي هذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم حيث علم أن غيره كان مثله في تكذيبه وكان محتملًا لأذى القوم.
تنبيه:
لما كانت هذه الأشياء في جنسهم أسند المجيء بها إليهم إسنادًا مطلقًا وإن كان بعضها في جميعهم وهي البينات وبعضها في بعضهم وهي الزبر والكتاب.
ولما سلاه الله تعالى هدد من خالفه وعصاه بما فعل في تلك الأمم الماضية بقوله تعالى: {ثم أخذت} أي: بأنواع الأخذ {الذين كفروا} أي: ستروا تلك الآيات المنيرة بعد طول صبر الرسل عليهم الصلاة والسلام عليهم ودعائهم لهم {فكيف كان نكير} أي: إنكاري عليهم بالعقوبة والإهلاك أي: هو واقع موقعه.
تنبيه:
أثبت ورش الياء بعد الراء في الوصل دون الوقف، والباقون بغير ياء وقفًا ووصلًا.
ولما ذكر تعالى الدلائل ولم ينتفعوا قطع الكلام معهم والتفت إلى غيرهم بقوله تعالى: {ألم تر} أي: تعلم أي: أيها المخاطب {أن الله} أي: الذي له جميع صفات الكمال {أنزل من السماء ماء} كما أن السيد إذا نصح بعض عبيده ولم ينزجر يقول لغيره: اسمع ولا تكن مثل هذا ويكرر ما ذكره للأول، ويكون فيه إشعار بأن الأول فيه نقيصة لا يصلح للخطاب فيتنبه له ويدفع عن نفسه تلك النقيصة، وأيضًا فلا يخرج إلى كلام أجنبي عن الأول بل يأتي بما يقاربه؛ لئلا يسمع الأول كلام الآخر فيترك التفكر فيما كان وقوله تعالى: {فأخرجنا} أي: بما لنا من القدرة والعظمة {به} أي: بالماء {ثمرات} أي: متعددة الأنواع، فيه التفات من الغيبة إلى التكلم وإنما كان ذلك؛ لأن المنة بالإخراج أبلغ من إنزال الماء وقوله تعالى: {مختلفًا} نعت لثمرات وقوله تعالى: {ألوانها} فاعل به، ولولا ذلك لأنث مختلفًا، ولكنه لما أسند إلى جمع تكسير غير عاقل جاز تذكيره، ولو أنث فقيل: مختلفة كما تقول: اختلفت ألوانها لجاز أي: مختلفة الأجناس من الرمان والتفاح والعنب وغيرها مما لا يحصر أو الهيئات من الحمرة والصفرة والخضرة ونحوها، فالذي قدر على المفاوتة بينها وهي من ماء واحد لا يستبعد عليه أن يجعل الدلائل بالكتاب وغيره نورًا لشخص وعمى لآخر.
ولما ذكر تعالى تنوع ما من الماء وقدمه؛ لأنه الأصل في التكوين أتبعه التكوين من التراب الذي هو أيضًا شيء واحد بقوله تعالى ذاكرًا ما هو أصلب الأرض وأبعدها عن قابلية التكوين: {ومن الجبال جدد} قال الجلال المحلّي رحمه الله تعالى: جمع جدة: طريق في الجبل وغيره وقال الزمخشري: الجدد الخطوط والطرائق، وقال أبو الفضل: الجدة ما تخالف من الطرائق لون ما يليها، ومنه جدة الحمار للخطة السوداء على ظهره، وقد يكون للظبي جدتان مسكيتان تفصلان بين لوني ظهره وبطنه {بيض وحمر} وصفر وقوله تعالى: {مختلف} صفة لجدد وقوله تعالى: {ألوانها} فاعل به كما مر في نظيره، ويحتمل معنيين: أحدهما: أن البياض والحمرة يتفاوتان بالشدة والضعف فرب أبيض أشد من أبيض وأحمر أشد من أحمر فنفس البياض مختلف وكذا الحمرة، فلذلك جمع ألوانها فيكون من باب المشكك. والثاني: أن الجدد كلها على لونين بياض وحمرة والبياض والحمرة وإن كانا لونين إلا أنهما جمعا باعتبار محلهما.
وقوله تعالى: {وغرابيب سود} فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أنه معطوف على حمر عطف ذي لون على ذي لون. ثانيها: أنه معطوف على بيض. ثالثها: واقتصر عليه الجلال المحلي أنه معطوف على جدد أي: صخور شديدة السواد قال الجلال المحلي: يقال كثيرًا: أسود غربيب، وقليلًا غربيب أسود، وقال البغوي: أي: سود غرابيب على التقديم والتأخير يقال: أسود غربيب أي: شديد السواد تشبيهًا بلون الغراب أي: طرائق سود، وعن عكرمة: هن الجبال الطوال السود، وقال الزمخشري: الغربيب تأكيد للأسود، ومن حق التوكيد أن يتبع المؤكد كقولك: أصفر فاقع، ووجهه أن يضمر المؤكد قبله فيكون الذي بعده مفسرًا لما أضمر كقوله النابغة الجعدي:
والمؤمن العائذات الطير تمسحها ** ركبان مكة بين الغيل والسغد

هما موضعان والمؤمن: اسم الله وهو مجرور بالقسم والعائذات: منصوب بالمؤمن والمراد بها: الحمام لما عاذت بمكة والتجأت إليها حرم التعرض لها، والطير منصوب بالبدل أو بعطف البيان، ووجه الاستدلال بذلك: أن الطير دال على المحذوف وهو مفعول لمؤمن والعائذات الطير، قال أبو حيان: وهذا لا يصح إلا على مذهب من يجوز حذف المؤكد، ومن النحويين من منعه وهو اختيار ابن مالك، ورد عليه بأن هذا ليس هو التأكيد المختلف في حذف مؤكده؛ لأن هذا من باب الصفة والموصوف ومعنى تسميه الزمخشري له توكيدًا من حيث إنه لا يفيد معنى زائدًا وإنما يفيد المبالغة والتوكيد في ذلك اللون، والنحويون قد سموا الوصف إذا لم يفد غير الأول توكيدًا فقالوا: وقد يجيء لمجرد التوكيد نحو قوله تعالى: {نفخة واحدة}.
و{إلهين اثنين}.
والتوكيد المختلف في حذف مؤكده، إنما هو في باب التوكيد الصناعي، ومذهب سيبويه جوازه، وقال ابن عادل: والأولى فيه أن يسمى توكيدًا لفظيًا إذ الأصل سود غرابيب سود.
ولما ذكر تعالى ما الأغلب فيه الماء مما استحال إلى أمر آخر بعيد من الماء وأتبعه التراب الصرف ختم بما الأغلب فيه التراب مما استحال إلى ما هو في غاية البعد من التراب فقال: {ومن الناس والدواب} ولما كانت الدابة في الأصل اسمًا لما دبَّ على الأرض ثم غلب إطلاقه على ما يركب قال: {والأنعام} ليعم الكل صريحًا {مختلف ألوانه} أي: ألوان ذلك البعض الذي أفهمته من {كذلك} أي: مثل الثمار والأراضي منه ما هو ذو لون ومنه ما هو ذو لونين أو أكثر.
ولما قال تعالى: {ألم تر} بمعنى ألم تعلم أن الله أنزل من السماء ماء وعدد آيات الله وأعلام قدرته وآثار صنعه وما خلق من الفطر المختلفة الأجناس، وما يستدل به عليه وعلى صفاته من أنه فاعل بالاختيار فهو يفعل ما يشاء قال تعالى: {إنما يخشى الله} أي: الذي له جميع صفات الكمال {من عباده العلماء} قال ابن عباس رضي الله عنه: يريد إنما يخافني من خلقي من علم جبروتي وعزتي وسلطاني، فالخشية بقدرة معرفة المخشي، والعالم يعلم الله فيخافه ويرجوه، وهذا دليل على أن العالم أعلى درجة من العابد لقوله تعالى: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}.